حكايات في العود وبعض مطوريه المعاصرين
مرّ العود بمراحل تطوّر كثيرة منذ بدء انتشاره، فالوجهة الأمامية مثلاً كانت مصنوعة من الجلد ثم تم تصنيعها من الخشب، وكان الفارابي قد صنع عوداً بدون ثقوب في وجهه الأمامي فكان خالياً من الرنين عند العزف عليه، ثم أحدث به فتحة، فجعلت لصوته فخامة ورنيناً، ومن هنا عمد صانعو العود على ثقب وجه العود. كذلك بدأت الآلة بوتر واحد ثم وترين وثلاثة وأربعة، كانت تُصنع من أمعاء الحيوانات، حتى العصرين الأموي والعباسي حين أصبحت تُصنع من الحرير، ثم من النايلون في العصر الحديث.
دخل العود في العديد من مراحل التطوير ومازالت التجارب ومحاولات التجديد في تصميماته المتنوعة وطرق العزف عليه مستمرة حتى يومنا الحالي ، ونستعرض فيما يلي بعض من أهم مطوريه من الفنانين العرب في العصر الحديث.
كان منير بشير (1930 – 1997) واحداً من أهم لاعبي العود في الوطن العربي، وبرع في عزف المقامات العربية وإعادة صياغة المقامات الغربية لتصبح صالحة للعزف على العود، فقد كان موسيقياً منفتحاًعلى الأنماط غير العربية في الموسيقى ومهتماً بتعلم كل ما هو جديد، بينما كان يولي اهتماماً خاصاً لأوروبا وشمال الهند، ومكنته معرفته العميقة من دمج التأثيرات الأجنبية في موسيقاه، ليس كمجرد اقتباسات، ولكنه أدمجها بتقنية لا تجعلها تبدو غريبة على الموسيقى الشرقية.
ومن بين أعلام العود في المنطقة العربية أيضاً نجد الفنان العراقي نصير شمّة، والذي أسس بيت العود العربي في مصر عام 1998 وضم 30 عازفاً في أول مركز متخصص وشامل لآلات العود والناي والقانون والبزق وغيرها. بدأ نصير شمة في العزف على العود منذ سن الخامسة وتأثر لاحقاً بزرياب ومقامات الأندلس، كما تمكن من اختراع عدة طرق للعزف، مثل العزف بيد واحدة وابتكر هذه الطريقة ليتمكن أحد أصدقاءه الذي فقد ذراعه أثناء الحرب العراقية من مواصلة عزفه على العود. أضاف أيضاً طريقة أخرى وهى العزف بإصبعين على زند العود، وابتكر هذه الطريقة في البداية ليتمكن صهره من أن يعزف على آلة العود بعد أن فقد أصابعه الثلاثة ولم يتبق منها سوى الإبهام والسبابة. ومن ضمن إسهامات نصير شمة أيضاً أنه قام بوضع الوتر الثامن للعود. وبدأت قصة ذلك عن طريق أحد الشخصيات الثقافية الألمانية الذي تعرف على نصير شمة وأعلمه بوجود مخطوطة للفارابي في إحدى مكتبات ألمانيا تتحدث عن العود والموسيقى، ووجد نصير شمة في تلك المخطوطة نظريات حول الوتر الثامن، قام بدراستها والعمل عليها، وقال نصير عن هذا الوتر أنه يمكن معه استيعاب كافة الأصوات من أعلاها إلى أخفضها.
ولا يجب أن ننسى أيضاً واحداً ممن أحدثوا ثورة موسيقية حقيقية بألحانه وأعماله، وهو الفنان سيد درويش (1982 – 1923). أتقن سيد درويش العزف على العود وكتابة النوتة الموسيقية في الشام ما بين عامي 1912 – 1914، وبلغ إنتاجه في حياته القصيرة عشرات الأدوار و40 موشحاً و100 طقطوقة و30 رواية مسرحية وأوبريت. اشتهرت ألحان سيد درويش على العود في سائر البلاد العربية، ويُقال أن الشيخ سيد درويش أوجد مقام الزنجران أو أعاد إحياءه، إذ كانت هذه التسمية مأخوذة من المقام العربي القديم الذي ورد في كتاب الأدوار لصفي الدين الأرموي والمعروف باسم زنكلاه، ويتألف هذا المقام من العجم والجهار كار والحجاز كار.
إن محاولات تجديد آلة العود وتطوير طرق ومهارات العزف عليها لا تنتهي، وسيظل العود خاضعاً لمزيد من التجارب في المستقبل مما يجعله أكثر الآلات الموسيقية إلهاماً للعديد من الموسيقيين والفنانين العرب على مر الأجيال.
كانت تلك حكايتنا مع مطوري العود المعاصرين. تابعونا مع حكايات في آلة جديدة الأسبوع القادم.